مصطفى بن مرابط - الجزائر
وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية 371 اتفاقية مع الهنود الحمر – السكان الأصليين – لكنّها لم تحترم أيًّا من هذه الاتفاقيات، بل، وعمدت إلى سحق الهنود ومسحهم من على وجه البسيطة، حتى يسهل على “البيض” الوافدين من وراء البحار، الاستيلاء على مئات الملايين من الهكتارات الخصبة الخلاّبة المعطاء.. كلّ ذلك بتأييد وتشجيع من الكنيسة “الأخلاقية”، وتوجيه من “رجال الدين وأعمدة الثقافة وأقطاب العلم وسادة الحضارة”.. حسب الأوصاف التي كانوا يطلقونها على ساكنة “العالم الجديد”، والذين هم في الحقيقة وفي أكثرهم، مجرّد حثالة ومرتزقة وسفلة وقطاع طرق ومسبوقين من القتلة والمجرمين.
أمريكا قائمةٌ على الثوابت السَّوداء والسّوابق الإجراميّة
وانطلاقا من هذه الثوابت السَّوداء والسّوابق الإجراميّة، وعلى أساسها تمّ بناء كيان الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ظلّت طوال وجودها، لا تسعى إلى تحقيق أهدافها إلاَّ عن طريق الإجرام والحديد والنار، وذلك رغم الشعارات الإنسانيّة والدّعاية الديمقراطية والنظريات الحقوقيّة التي طالما عمدت إلى تسويقها والاتجار بها، والتي ومن مساوئ الصُّدف أنّها تتستّر خلفها لتبرير الجرائم البشعة المقترفة بحق الانسان والبلدان.
أكبر إمبراطورية للإرهاب عبر التاريخ
كانت البداية بشعوب الهنود الحمر، الذين ذاقوا الويلات على أيدي مجرمي أوروبا وسفلتها الذين سيؤسّسون أكبر إمبراطورية للقتل والإرهاب عبر التاريخ.. فالإحصاءات المتعلّقة بأعداد السكان الأصليين لشمال القارة الأمريكية، والذين ذهبوا ضحايا الوحشيَّة والبربرية الأوروبية، تتراوح أرقامها ما بين ستين ومائة مليون قتيل، منذ وصول القرصان الماكر “كريستوف كولومبس” مع بدايات القرن الخامس عشر.
صناعة الموت باسم الحرية والحضارة
من جرائم “جيمستاون” إلى جرائم غزة؛ تاريخ طويل لليد الحمراء الأوروبية – الأمريكية ودورها في صناعة الموت وإشاعة الخراب، باسم الحرية والحضارة.. فإذا كانت “جيمستاون” أولى المستعمرات البريطانية في عمق أراضي الهنود الحمر، قد تمّ تأسيسها العام 1607 على أشلاء بعض قبائل الـ “أوننداجو” والـ “موهاك” والـ”شيروكي”.. فإنّ غزّة العام 2024، وبنفس السياسة وتحت الشعارات نفسها، تتعرّض إلى حرب سحق وإبادة، وإن كان ظاهر الحال يشير إلى أنّ العصابة الإرهابية للكيان الصهيوني هي التي تقوم بتنفيذ الجريمة، لكن العالم يدرك تمامًا بأنّ لولا الغرب والأمريكان لما قاوم هذا الكيان المسخ أكثر من أسبوع.
وقائع الحرب العالمية الثانية، أظهرت إلى العالم كلّه وإلى التاريخ، بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن دولة ديمقراطية وحقوقية بقدر ما كانت قوة إرهابية وحشية بربريَّة، لا تتوانى ولو للحظة عن سحق كل من يقف أمام “طموحاتها” وخياراتها الاستراتيجية. فكان من أبرز جرائمها:
منع الغذاء والماء عن الأسرى الألمان، حتى مات الآلاف منهم جوعًا وعطشًا.إطلاق النار بكل وحشيَّة على أفراد قوات “شوتزشتافل” الألمان، وهم مجردون من أسلحتهم في أثواب رثَّة وشبه حفاة، بعدما كان قد تمَّ أسرهم مع نهاية الحرب في معتقلات “داخاو” شمال ميونيخ.الفرقة 45 بالجيش الأمريكي، تتلقّى أوامر لذبح الآلاف من الأسرى الطَّليان قرب “بيسكارا”.220 ألف ضحيَّة في لحظات!
إلى الوجه الآخر من الكرة الأرضية، وبالضبط إلى اليابان، حيث يأمر الرئيس “هاري ترومان” بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي “هيروشيما” و”ناغازاكي”، بفارق ثلاثة أيام فقط، ممَّا أدى إلى وقوع دمار واسع رهيب، لم تشهد له البشرية مثيلاً، حيث قضى في بضع دقائق على أرواح عشرات الآلاف من سكان المدينتين.. حدث ذلك، رغم انتهاء العمليات العسكرية الميدانية.
لا زال العالم يعتبر القصف النووي الأمريكي لليابان، من أسوإ الجرائم التاريخية التي ارتكبتها قوة عسكرية ما، فقد أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 220 ألف شخص على الفور، وإصابة مئات الآلاف من الأشخاص بأمراض خطيرة مستعصية بعد ذلك، وطوال السنوات التي تلت القصف.. لكن لا دولة في العالم، بما فيها اليابان، تجرَّأت على إدانة الولايات المتحدة الأمريكية وتحميلها المسؤولية، لا رسميًّا ولا حتى أخلاقيًّا.
الحرب الأهليَّة في شبه الجزيرة الكوريَّة
إلى شبه الجزيرة الكوريَّة، والحرب الأهليَّة التي كان للولايات المتحدة الأمريكية الدور المحوري في إدارة الصراع هناك، وفي حسم نتائجه التي انتهت بسقوط ملايين القتلى بين مدني وعسكري، وتقسيم تاريخي وإجرامي لشبه الجزيرة الصغيرة بين شمال وجنوب، وزرع خلاف بين الأخوة الأعداء، لا يزال توتُّره وتداعياته قائمة الى يوم الناس هذا.
مذبحة 3 ملايين فيتنامي بأيادي أمريكيَّة
إلى فيتنام، وفضيحة العصر بمذبحة ثلاثة ملايين فيتنامي، سفحت دماءَ جلّهم القواتُ العسكرية الأمريكية.. ذلك أنَّ الأمريكان كانوا قد دخلوا الحرب من سقف البيت الفيتنامي، على أساس أنَّ الحرب كانت أهليَّة داخلية بين الشمال والجنوب في خلاف سياسي داخلي، كان أحوج ما يكون إلى وساطة أو وساطات سياسية خارجيَّة لتفكيك ألغام الصراع وتقريب وجهات النظر، ولم يكن أبدًا بحاجة إلى أسلحة وعساكر وجيوش تملأ البلد وترهن السلام وتلهب المواجهة بين الطرفين.
أمريكا تفجِّر الحرب في أفغانستان
لم تكد الحرب الفيتنامية تضع أوزارها، حتى فجر الأمريكان حرب أفغانستان الأولى، باستعمال أجهزتها الاستخباراتية وعملها على تجييش الشباب العربي والإسلامي، تحت راية “الجهاد المقدَّس” بتعبئةٍ من خطباء المساجد ودُعاة الإسلام “الجهادي” عبر جوامع البلدان التي تهيمن عليها السياسة الأمريكية: السعودية على وجه الخصوص..
إذ أدخلت البلد في حرب أهلية داخلية، طرفاها الحكومة الأفغانية “العلمانية الشيوعية” كما أطلقوا عليها بدعم من الاتحاد السوفياتي من جهة، ومن جهة أخرى “المجاهدون” الأفغان من مختلف الفصائل والقبائل والأحزاب، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية التي ظلَّت ترى فيها معركة استراتيجية لضرب الشيوعيَّة وهزمها، وبتمويلٍ وإفتاءٍ من السعودية التي كانت ترى فيها معركة بين التوحيد والإلحاد، بين الإسلام والشيوعية. وهكذا، حتى تحوَّلت أفغانستان إلى مستنقع آسنٍ للقتل والإجرام والدَّمار، باسم السياسة حينًا، وباسم الجهاد حينًا آخر، وباسم السُّلطة في كل الأحيان.
“آلهة” الحرب والإرهاب الأمريكية في العراق
إلى العراق بوَّابة العرب الشرقيَّة، أو بلاد الرافدين الميزوبوتاميا.. لم تتخلَّف “آلهة” الحرب والإرهاب الأمريكية عن موعدها الإجرامي، فكان لها أن فخَّخت المنطقة وأدخلتها في حرب عبثيَّة دامت ثماني سنوات، خرج العراق منها نسبيًّا أكثر صلابة وأمرّ مراسًا، فكان لا بدَّ من الانقضاض عليه وسحقه بأية وسيلة وتحت أيّ مبرر.. فكانت عاصفة الصحراء والتَّحالف “الدولي”، مع مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، وكانت الجرائم التي لا سقف لها بحق الإنسان والحضارة والتاريخ: من محرقة ملجأ العامرية، إلى مذبحة الفلوجة فمجزرة طريق البصرة – الكويت.. تبعها مُخطَّط إجراميٌّ قضى بمقاطعة العراق وعزله شعبًا ودولة وتجارة وثقافة وعلمًا.
حتى إذا ما أنهك الحصار كاهليه، وتضعضع الوضع الداخلي، عاد الأمريكان مع مطلع العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وقاموا بغزو البلد بعد أكثر من عشرة أعوام من الحرب المتواصلة استنزافًا وابتزازًا وتجويعًا، والتي خلَّفت أكثر من مليون ضحية وقتيل، معظمهم من الأطفال والرُّضع والحوامل.. مدَّعين هذه المرّة بأنَّ العراق قد أصبح أكثر خطرًا من ذي قبل، وأنَّه صار يمتلك أسلحة “دمار شامل” تهدد أمن المنطقة والعالم، وعلى هذا الأساس تم تعبئة الحلفاء والأتباع، والزجّ بهم في حرب إجراميَّة تدميريَّة لم تُبق ولم تذر، حتى إذا ما استوى كل شيء بالأرض، وصار شرفاء العراق تحت الأرض، انسحب الغزاة وغادروا العراق من دون أن يعثروا على شيء ممَّا وعدهم به “بوش” وكاتب دولته للخارجيَّة “كولن باول”، ووزيره للدفاع “دونالد رامسفيلد”.
أمريكا تصبُّ الزَّيت على النار في أوكرانيا
إلى أوكرانيا بوابة أوروبا على الجبهة الشرقية، أين تمكَّنت الولايات المتحدة الأمريكية من تفجير الوضع هناك، بعدما وجدت في الرئيس المثلي “زيلينسكي” الدمية المثالية لتأدية دور الخائن الغادر بكل “أمانة”، والخادم المطيع لتنفيذ ما تريده “واشنطن” في صراعها المحموم ضد “موسكو”.
أمريكا وإن كانت الحرب الأوكرانية لا تعنيها بصورة مباشرة، فإنَّها تعتبرها حربًا استراتيجية ذات بُعدين، حتى وإن ظلَّت تتصرف مثل “ضبع” جبان، تنأى بنفسها وتنتظر مخارج المواجهة ونتائج الصراع، حتى تؤكد:
للأوروبيين، بأنّ أوروبا لا تزال بحاجة ماسة إلى المظلَّة الأمريكية.لروسيا، بأنَّها تستطيع أن تؤجِّج حربًا ضدَّها بالوكالة من دون أن تحرك جيوشها.أمريكا بلا ضمير وأخلاق وأحاسيس.. في غزَّة
إلى غزّة فلسطين، قلب القضايا وضمير العالم وأخلاق البشرية.. حيث اندلعت معركة “طوفان الأقصى” على أيدي ثلَّة من شباب المقاومة الفلسطينية، بأسلحة خفيفة وذخائر محدودة لكن بشجاعة تهدّ الجبال وإرادة مطلقة بلا سقف ولا حدود، لتنهار أمامها المنظومة الصهيونية بجيشها وحكومتها وشعبها، وفرّ الجميع واختبأوا مثل الجرذان.. إلى أن حركت الولايات المتحدة الأمريكية بوارجها وأساطيلها، وأرسلت نخبة قواتها لإعادة التوازن إلى الكيان الصهيوني المُختلّ المُعتلّ، وسارعت إلى تزويده بالأسلحة والمعدَّات، ودعمه في حرق غزَّة وتدميرها على رؤوس أهلها، كما قرَّرت استخدام حق النقض “الفيتو” لثني مجلس الأمن والمجموعة الدولية عن إدانة الجرائم المرتكبة بحقِّ المدنيين العزَّل.
أمريكا تزرع الموت في حديقتها الخلفيَّة
وبين هذه الحرب وتلك، لا يمكن تناسي فظائع “واشنطن” وجرائمها عبر دول أمريكا اللاَّتينية، والتي ظلت تتعاطى معها من باب أنَّها مجرد حديقة خلفية تفعل فيها ما تشاء، حيث شهد النِّصف الجنوبي للقارة الأمريكية الكثير من العمليات الانقلابية، كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الرَّاعي الرسمي لها، بهدف استبدال الزعماء اليساريين بآخرين من اليمين الليبرالي، أو حتى بمجالس عسكرية دكتاتورية أو أنظمة سلطويَّة أخرى.
من الأرجنتين التي أطاحت فيها القوات العسكرية بالرئيسة المنتخبة ديمقراطيا: “إيزابيل بيرون”، لتبدأ الحقبة الديكتاتورية بقيادة الجنرال: “خورخيه رفائيل فيديلا”، وهي الفترة التي عرفت أكثر من ثلاثين ألف حالة اختفاء قسري، كان للمخابرات المركزية الأمريكية الدور المحوري في تنفيذها.
إلى بوليفيا، حيث دعَّمت حكومة الولايات المتحدة انقلاب الجنرال: “هوغو بانزر” ضد الرئيس الشرعي: “خوان خوسييه توريس”، الذي اختطِف فيما بعد وتمَّ اغتياله. إلى نيكاراغوا ومنظمة “كونترا” المعارضة للحكومة والمُموَّلة مباشرة من قبل البيت الأبيض الأمريكي بقيادة الرئيس “ريغان”.
إلى البرازيل، والانقلاب الذي شهدته ضد الرئيس الديمقراطي الشعبي: “جواو غولار”، وذلك لمنع البرازيل من أن تتحوَّل إلى صين لاتينية أو كوبا أخرى. إلى الشِّيلي، والانقلاب الذي تعرَّض له الرئيس “سلفادور أليندي” على أيدي الجيش المدعوم من قبل المخابرات المركزية الأمريكية، وبمتابعة خاصة وشخصية من قبل الرئيس “ريتشارد نيكسون”، ظهر على إثرها حكم الدكتاتور “أوغستو بينوشي” الذي دام حتى العام 1988.
إلى السلفادور، وقيام الثورة الشعبية بقيادة “فارابوندو مارتي” ضد حكم “الأوليغارشية” الديكتاتورية، التي تحكم البلد بالوكالة لصالح الشركات الأمريكية الكبرى، ولذلك تحرَّكت الولايات المتحدة الأمريكية لسحق الحراك الشعبي بقوة الحديد والنار، وهو الارتداد الذي أدَّى إلى نشوب حروب أهليَّة لمواجهة الحكومات المدعومة أمريكيا.
المنظَّمات الإرهابية في الدول العربيَّة.. صناعةٌ أمريكيَّة
كما لا يمكن تناسي العدوان السافر للبحرية الأمريكية على “ليبيا العقيد القذافي” بأمر من الرئيس “رونالد ريغان”، ووقوف البيت الأبيض بالعدّة والعتاد، وبالسياسة والدبلوماسية وحق النَّقض إلى صفِّ الكيان الصهيوني طوال مواجهاته للدول العربية وفلسطين..
إلى سوريا، حيث أسَّست المخابرات الأمريكية تنظيم “داعش” الإرهابي لزعزعة المنطقة بأسرها، وخوضه حربًا بالوكالة لصالح الصهاينة والأمريكان باسم الإسلام والجهاد المقدَّس، على غرار ما كان من شأن تنظيم “القاعدة” في أفغانستان والعالم العربي.
لكل رئيسٍ أمريكيٍّ حربُه
الولايات المتحدة الأمريكية إذًا، ومنذ ظهورها واستقوائها خارجيًّا، ظلّ شعارها؛ لكل رئيسٍ أمريكيٍّ حربُه، ولكل حرب ضحاياها. وقد عبّر عن ذلك الوزير السابق ” كيسنجر” بقوله: “… ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية إخماد نار الحروب وزرع السَّلام، وإنَّما من مصلحة أمنها القومي، إدارة الصراع العالمي حيث ما كان، وإن لم يكن فعلى أمريكا اختلاقه وإدارته..”. ومن هنا، يُفهم كل شيء حيال السياسة الخارجية الأمريكية ونزعتها العدوانيَّة الدمويَّة.